Maroc Réalités
مغرب الوقائع

سيرة

مؤتمر المنظمات الاشتراكية في البحر المتوسط
أثينا - 1979 -

 

"(...) وعند ما نقول إن الإيديولوجية والعقلية الإقطاعية لازالت سائدة في بلادنا، رغم مظاهر العصرنة الشكلية، فإنها فعلا آذلك، ولازلنا نرى مخلفاتها على مستوى العائلة و المدرسة والإدارة والاقتصاد والثقافة السائدة .. وبما أن الحركات التقدمية جزء حي من هذا المجتمع الحي، بات من الموضوعي أن تعيد إنتاج نسبة من مخلفات النزعة الفردية اللاديمقراطية في داخلها. ولكن رغم الطابع الموضوعي لهذا المعطى، فليس من المسموح أبدا لأية قوى تعتبر نفسها ديمقراطية أن تستأنس به أو تقبل به كقدر منزل وبالتالي أن تتسامح في المبادئ الديمقراطية وتتعامل معها بشكل مطاط حسب الطلب آما أنه ليس من المسموح للمناضل الذي يتبنى الطرح الديمقراطي، أن يمارس عكسه مع رفاقه أو أسرته أو في إطارمهنته أو في علاقاته الاجتماعية بصفة عامة.

وإذ نحن نطمح إلى تحقيق الديمقراطية لشعبنا فمن واجبنا أن نبدأ بتطبيقها على أنفسنا أولا وقبل كل شيء، وكابر جهاد نقوم به يوميا هو الجهاد ضد ضعفنا وعاهاتنا ومن أجل إصلاح ذاتنا وتقويم سلوكياتنا ومراقبتها باستمرار."(1996)

       

 

 

 

         ولد عبد الغني بوستة في  الثامن عشر من فبراير 1949 بمدينة مراكش، وتابع دراسته بضواحيها. وفي عام 1957، وهو في الثامنة من عمره،  ألقى بتشجيع من مدرسته أول خطاب له، احتفالا بحصول المغرب على استقلاله، ركز خلاله على ضرورة بناء مغرب مستقل وحر، وعلى ضرورة توحيد جميع القوى في البلاد من أجل تحقيق هذا الهدف.

        في عام 1965 ، حصل عبد الغني على الباكالوريا العلمية وهو في السادسة عشرة من عمره، فالتحق بالمدرسة المحمدية للمهندسين بالرباط، إذ شارك خلال مدة دراسته فيها في مختلف النضالات والإضرابات الطلابية التي شهدتها الجامعة المغربية.

        في سن العشرين، تخرج كمهندس في الإلكترونيات، لكنه لم يتمكن من مباشرة الحياة العملية، لأن أساتذته اعتبروا أن صغر سنه لا يؤهله لتحمل أعباء  المسؤوليات المهنية، الأمر الذي دفع بهم إلى إيفاده إلى مدينة غرونوبل في فرنسا لمتابعة دراسته في دبلوم للدراسات المعمقة، وشهادة  تخصص في الأوتوماتك  بمعهد البوليتيكنيك  بغرونوبل.

        في هذه الفترة، انضم إلى صفوف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، حيث ناضل بشكل متواصل في صفوف الحزب والاتحاد الوطني لطلبة المغرب. وحول هذه الفترة من حياته، حيث كانت العروض المغرية تنهال عليه من الأندية البلجيكية والفرنسية لكرة القدم، كان يردد باستمرار: " كان علي أن اختار بين كرة القدم والالتزام السياسي فاخترت دون تردد".

        في بداية السبعينيات، انضم إلى  التنظيم المسلح الذي كان  يقوده محمد البصري (المعروف بالفقيه)، إذ كان مستعدا للتضحية بحياته من أجل إحلال دولة الحق والقانون ومناهضة الاستبداد.

        وبعد أن تخرج مهندسا في الأوتوماتك الصناعي، عاد إلى  المغرب في يوليو 1972 فعين وهو في الثالثة والعشرين من عمره مديرا للسدود في الجنوب المغربي، غير أن أحداث 3 مارس 1973، التي كان الفقيه البصري المسؤول الرئيسي عنها، تم اقتباس  عبد الغني ثم تفتيشه  خلال محاكمة القنيطرة في يونيو 1973. اضطر إلى الدخول في النضال السري ثم مغادرة البلاد والاستقرار في المنفى .

       عاش عبد الغني ما بين مايو 1973 و سبتمبر 1974 في السرية في ليبيا أولاً ثم في الجزائر وقام خلال هذه الفترة، مع البعض من رفاقه، بتقييم وتحليل الأخطاء الفادحة التي ارتكبت خلال الإعداد والتحضير لأحداث مارس 1973.

        وفي شهر سبتمبر 1974 اضطر عبد الغني إلى الاستقرار في المنفى بباريس.

        عقب انعقاد المؤتمر التأسيسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أصدر عدة مناضلين من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية نداءا فاتح ماي 1975، ينتقدون فيه التوجهات الجديدة والغريبة لهذا المؤتمر، التي تشكل قطيعة مع مواقف وأطروحات الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. ذلك أن الأمر لا يتعلق بتغيير بسيط في اسم الحزب: الاتحاد الاشتراكي بدل الاتحاد الوطني، بل هو تنكر تام للاختيارات الجوهرية للاتحاد الوطني للقوات الشعبية.

        في هذا الخضم، أصبحت فكرة خلق تيار فكري وسياسي بديل تفرض نفسها وسط هؤلاء المناضلين. فكان عبد الغني من المؤسسين الأساسيين لحركة الاختيار الثوري.

        في نفس سنة 1975، اقترح مساهمة بعنوان " تقييم التجربة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية "، ظهرت في يناير 1976 تحت عنوان " الاتحاد الوطني للقوات الشعبية - النقد الذاتي " ، وكانت أولى منشورات الاختيار الثوري. ومما جاء فيه بخصوص تجربة 3 مارس 1973 : " (....)  لقد ساهمت تجربة 3 مارس 1973 في إلقاء الضوء على التناقضات الداخلية للحزب وعلى إظهار كل قياداته بوجهها الحقيقي : قيادة انقلابية ومغامرة لا تتردد بالتضحية بحياة العشرات من المناضلين في معركة غير مضمونة"

        وفي دجنبر 1975 تم إصدار الاختيار الثوري جريدة شهرية بالعربية   ولعب دورا أساسيا في توجيهها. وصلت الجريدة إلى بعض المعتقلين السياسيين

        وما انفك منذ ذلك الحين وحتى رحيله، يقوم بتنسيق أنشطة الحركة والمساهمة بشكل حاسم في توجيهها، وصياغة برامج عملها، والمشاركة في بلورة مختلف مواقفها التي صدرت بنشرتها الشهرية، أو في المطبوعات المختلفة ( "قضية الصحراء"، التحليل النقدي لحركة التحرر الوطني والاتحاد الوطني للقوات الشعبية " الخ.. ) . وفي عام 1982، تم تطوير النشرة الشهرية بتحويلها  إلى مجلة فصلية.

        وفي 1977، ترأس جمعية القارات الثلاث، التي كانت مفتوحة للعديد من المناضلين العرب، (سوريين، جزائريين، وفلسطينيين، الخ..) وقامت هذه الجمعية بإصدار العدد الأول من مجلة للعالم الثالث تطرح نفسها كحاملة ومدافعة عن الخيارات الثورية التي رسمها المهدي بن بركة. ولكن للأسف، توقف إصدار هذه المجلة لانعدام الوسائل المادية اللازمة.

    

مع الزعيم الاشتراي اليوناني
جورج باباندريو

أثينا - 1979

    بعد ذلك، أنشأ مع مناضلين آخرين، "مركز ابن رشد" وأشرف عن ترجمة عدة مؤلفات إلى العربية منها: "أمير المؤمنين" للباحث  ج. واتربيري(Jhon Watterbury)، و"الفلاح المغربي، مالك العرش" للباحث ريمي لوفو(Rémi Leveau)، و "المغرب: أمبريالية وهجرة" للكاتب  عبد الله  بارودي...

        توسع انتشار حركة الاختيار الثوري بالخارج لتشمل هولندا وبلجيكا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا بالإضافة إلى فرنسا وليبيا والجزائر. وكانت اللقاءات التي تنظمها الحركة تعد بحق مناسبة ل"مواجهات" إيديولوجية وسياسية حقيقية، ومناسبة لإعداد برامج عمل ووسائل تنفيذها من أجل إدانة النظام المغربي وسياسته، وتطوير الروابط النضالية بين مختلف تيارات اليسار المغربي.

        وبشكل موازي، كانت التناقضات مع الفقيه البصري تزداد حدة، وهذا ما دفع حركة الاختيار الثوري في 30 مارس 1982 إلى الإعلان رسميا أن جميع المواقف السياسية التي يتخذها محمد البصري على المستوى الوطني أو الدولي لا تلزمها في شئ، بل إنها تتعارض مع توجهاتها. إلا أن إصرار هذا الأخير على مواصلة التصريحات دفع بالحركة في 2 فبراير 1983 إلى إصدار بيان تعلن فيه قطع علاقاتها معه، "لقد حاربت حركة الاختيار الثوري باستمرار الخط الإصلاحي المغامر داخل الحزب (...) لقد اعتبرت دائما الإصلاح والمغامرة وجهان لعملة واحدة" (مجلة الاختيار الثوري 1983).

 

  وفي في 8 مايو 1983، اتخذت أغلبية مناضلي اللجنة الوطنية الإدارية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قرارا بانفصالها عن المكتب السياسي لتنكره لاختياراته الأساسية وعمله على تمرير مواقف تخاذلية تواطئية، والتفوا حول ما سمي آنذاك بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية–اللجنة الإدارية الوطنية، الذي سيصبح ابتداءا من سنة 1991 حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي.

        نتيجة  لذلك، طرحت مسألة حل حركة الاختيار الثوري فالتحق العديد من مناضليها  بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية–اللجنة الإدارية الوطنية، حيث تولى عبد الغني مسؤولية تمثيله بالخارج. وكانت "رسالة المغرب" الناطق الرسمي باسم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية–اللجنة الإدارية الوطنية، ثم حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي بعد ذلك. أما مجلة الاختيار الثوري فقد توقفت عن الصدور.

        في عام 1988، صدرت مجلة "الوطن" التي كانت تهتم بقضايا التحرر والتنمية والاشتراكية في المغرب وفي العالم العربي. من جهة أخرى، فقد دفعه التطور الذي حصل في العلاقات والتعاون والصداقة مع الحركة التقدمية العالمية وبصفة خاصة في أوروبا، إلى القيام، بالتعاون مع مجموعة من رفاقه، بإنشاء "المركز المغربي للتعاون وحقوق الإنسان" سنة 1989، ثم أتبع ذلك بإصدار نشرة "الحقوق المتعددة" الخاصة بالمركز. 

 

 بمناسبة مؤتمر حزب الطليعة التقدمي الإشتراكي في ديسمبر 1993، تدخل من باريس باسم المنفيين (المستخرج الصوتي أدناء):

 

       

 

مقابلة مع صحيفة البايس
الاسبانية - 1983

انطلاقا من هذا التاريخ أصبح ممثلا لحزبه في العلاقات الدولية كعضو في المكتب الوطني واللجنة المركزية. وعمل على التعريف بمواقف حزبه من خلال "رسالة المغرب"، لسان حال حزب الطليعة في الخارج، وشارك في عدة مؤتمرات في فرنسا وإسبانيا والبرتغال، وساهم في عدة ندوات وملتقيات خصصت لحقوق الإنسان والوضع السياسي في المغرب.

       

وعلى اثر العفو العام سنة 1994، وبعد تردد طويل، قرر الدخول  إلى بلده للمساهمة بين الفينة والأخرى مع رفاقه في تطوير وتوطيد دعائم الحزب على المستوى الإيديولوجي والسياسي والاقتصادي والاستراتيجي. وعمل بكل إخلاص وثقة على صياغة برنامج نضالي يهدف من ورائه إلى المساهمة في تطوير الخط الإيديولوجي والسياسي والنضالي للحزب، بعيدا عن كل طموح وصولي، لا يحدوه في ذلك سوى الحرص على رؤية حزبه يحمل عاليا راية النضال ضد الظلم من أجل الديمقراطية والاشتراكية وتحقيق الكرامة الإنسانية.

        شارك بشكل منتظم في مختلف اجتماعات اللجنة المركزية وقدم مجموعة من المقترحات الملموسة حول البرنامج العملي، كما نشر عدة مقالات تحليلية نشرت بجريدة الحزب "الطريق" : التاريخ النقدي للحركة الوطنية والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، المبادئ والأسس لقيام جبهة ديمقراطية موحدة. كما هو الحال في المنشورات الأخرى ، ولا سيما في مجلة هيرودوت "الاصولية أو الديمقراطية في المغرب"

     

   في أكتوبر 1995، ومن خلال بيان داخلي مفصل، قدم استقالته من المكتب الوطني لحزب الطليعة، محافظا على عضويته في اللجنة المركزية. ومنذ ذلك الحين، أصبح همه   الأساسي الالتزام بكتابة التاريخ السياسي للمغرب وتجربة الحركة السياسية المغربية ولاسيما الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. وعلى صعيد آخر، فقد صب كل جهوده على تجميع كتابات وأعمال المهدي بن بركة، بالتعاون مع عائلة هذا الأخير. وكان يهدف، من خلال الاسترشاد بالتحليلات السياسية للمهدي، إلى استخلاص معايير وقواعد لفهم الأوضاع السياسية الراهنة.

        إضافة إلى ذلك، وإخلاصا منه لالتزامه السياسي كان ينوي المشاركة عبر مساهمات إيديولوجية وسياسية في أشغال مؤتمر الحزب الذي كان من المقرر أن ينعقد عام 1999.

        تطلبت منه أنشطته السياسية المختلفة عدة تنقلات واقتضت منه أن يكون جاهزا للعمل بشكل دائم. وبالرغم من هذه الضغوط النضالية، فقد اضطلع مند سنة 1985 بمجموعة من الأنشطة المهنية كمهندس استشاري في الأوتوماتك الصناعي. وقد مكنه عمله الحر من نسج علاقات مع شركات كبرى مثل رينو،  ايرو سباسيال، طومسون، آلستوم . وهكذا، فقد أشرف على تنظيم العديد من الدورات التدريبية المهنية في مجالات اختصاصه مثل التعيير الحراري بواسطة مصححات رقمية، التعييير الحراري في مجال التكييف الهوائي، التحكم والتعيير الحراري في مجال التدفئة المركزية، بالإضافة إلى تنظيم وتنشيط دورات مخصصة للصناعيين وبالتعاون معهم للتعرف على الآليات والتجهيزات الصناعية الأتوماتكية للتعيير الحراري وطرق تشغيلها.

  

عبد الغاني محاطا بطلاة أثناء دورة تدريب
في عام 1992

   وبما أنه كان يعطي الأولوية لالتزامه السياسي فإنه كثيرا ما كان يعتذر عن قبول العديد من عروض العمل، ومع ذلك ورغم رفضه المستمر فإن المؤسسات الصناعية غالبا ما كانت تتوجه إليه بالنظر لكفاءاته العلمية والبيداغوجية. وكان من المقرر أن يشرف في أكتوبر 1998.

        إن تحمله لمسؤوليات نضالية جسام كان لا يعني بالنسبة لعبد الغني التفريط في مسؤولياته المهنية والعائلية، فقد كان يعرف كيف يوازن بينهما ويعطي الوسائل الضرورية لأطفاله لمتابعة دراستهم وبناء مستقبلهم .

        منذ يوليو 1996، داهمه مرض عضال: سرطان القولون الذي نخر جسمه بسرعة مذهلة بالنسبة لسنه (47عاما). وما من شك من أن متاهات المنفى وقساوته، إضافة إلى بعض خيبات الأمل العميقة وسقوط الأوهام، قد زادت من شدة المرض. لقد أصيب بكل تأكيد في صميم جسده من جراء بعض الممارسات السياسية التي تجمع بين اللؤم والتجرؤ على القيم، ولكنه لم يشأ أبدا أن يظهر ألمه للعلن، وهذا ما فاقم من وضعه.

    

    وخلال أكثر من سنتين، ورغم نصائح المقربين منه (العائلة والأصدقاء) بأن يكرس كل وقته للعناية بصحته، استمر في النضال من أجل إقامة دولة الحق والقانون والديمقراطية. وبالرغم من خضوعه لعلاج كيميائي قوي استنزف كل قواه، فقد بادر إلى بدء مشاريع كتابية لم يقدر لها أن تكتمل، كما أنه لم ينقطع لحظة عن تأمين تحرير

ونشر وتوزيع نشرة "الحقوق المتعددة" والمشاركة في مجموعة من اللقاءات والندوات إذ كان يؤمن بالحوار والتفاعل الفكري بين الدول الإفريقية والمغاربية. كما نظم العديد من القصائد الزجلية. كما نظم العديد من القصائد الزجلية، ترجمت إحداها للفرنسية (المستخرج الصوتي أدناه):

وكذا مقالة لم تكتمل "انحطاط المستبد" (Le crépuscule d'un despote)، جزء منها مسجل صوتيا.

مؤتمر حول الديمقراطية في
المغرب
بروكسيل - 1988

     

  

لكن همه الأساسي كان هو الدخول للألفية الثالثة من بوابة التكنولوجيات الحديثة، عبر خلق موقع على الأنترنيت حول المغرب وحقوق الإنسان أسماه "مغرب الوقائع".  ومن بين الأهداف التي كان يريد أن يحققها عبر هذا الموقع إيصال الحقيقة إلى العالم قاطبة لأنه على الرغم من تآلب كل الجهود لمحاربتنا أو تجاهلنا، كما كان يقول، فإنه من الواجب المثابرة في طريق الحق والعدالة. كان يرفض أن تخلو الساحة من أي صوت يرتفع للتنديد بالظلم، كما كان يرفض أن يستسلم لليأس مؤمنا بوجود أمل بغد أفضل. وإلى اليوم، لازال هذا الموقع يعرف باستمرار عدة تطورات وتحديثات.

        اتسمت المعركة التي خاضها بضراوة من أجل إقامة الديمقراطية والقانون والحرية، بالتفتح على جميع الاتجاهات حيث كان يعتبر أن وحدة قوى اليسار هي وحدها القادرة على تحقيق نتائج عملية ملموسة لتحسين ظروف عيش الشعب المغربي.

        من هذا المنطلق، لم يتوقف عبد الغني لحظة واحدة عن العمل من أجل فتح  نقاش صربح وبناء بين مختلف التيارات السياسية لبلورة أرضية عمل مشتركة هدفها  النضال ضد الظلم والظلامية وإرساء الشروط الحد الأدنى لبناء ديمقراطية حقيقية و تأسيس دولة الحق والقانون.

        وفي "رسالة المغرب" (عدد فبراير 1995)، كتب عبد الغني تحليلا نقديا لعملية التناوب الأولي وخلص إلى القول: " لقد حان الوقت لتجميع القوى الديمقراطية في بلدنا لتحقيق ، من خلال النضال الديمقراطي الثابت والموحد ، المطالب الدستورية والسياسية العاجلة لشعبنا ، ولا سيما:

           - مراجعة شاملة وجذرية للدستور لإرساء أسس دولة الحق  والديمقراطية: سيادة الشعب ، وفصل السلطات ،  وتشكيل حكومة ورئيس الوزراء من الأغلبية مسئولة  أمام البرلمان (وليس العكس ...) ، انتخابات حرة ونزيهة ، إلخ.

 

في عيد الحزب الشيوعي الاسباني - 1993
مع ج. أنغريتا،السكريتر العم للحزب
في الوسط : بابي كابو
من الامانة العامة للعلاقات الدولية

        - إلغاء الانتخابات، وإعادة انتخاب مؤسسات ديمقراطية تمثيلية حقيقية، دون تزوير أو تدخل من الإدارة...

     وبدون إقامة أسس الديمقراطية، ستزداد الأزمة السياسية وتزداد حدتها. فالتناوب و التغيير الوزاري و تنقل الوزراء بين المناصب لن يغير أي شيء.

    كذلك لن تتغير الوضعية بالإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الوقتية,

   لن يكون هناك تطور حقيقي أو سلام اجتماعي، طالما كان الشعب محروما من سيادته، و الآلة الاقتصادية والإدارية معطلة وفاسدة. "

    و لقد ظل يساوره الشك في قدرات وإمكانيات الحكومة الحالية ومدى نجاح عملية التناوب. ففي سبتمبر 1998، أي خمسة أيام قبل رحيله، كتب مقالا بعنوان :"حكومة اليوسفي : الإجراءات المستعجلة والآفاق" جاء فيه : "هل يمكن لليوسفي أن يخلق الشروط الضرورية لفرض احترام الإنسان، وللانتقال الحقيقي نحو دولة الحق والقانون؟  إن تحاليلنا السابقة والظروف الغريبة التي تمخضت عنها هذه الحكومة تدفعنا إلى الشك في ذلك...لكننا من جهتنا، سنثمن كل مكسب اجتماعي وكل تقدم ديمقراطي في بلادنا، وستكون الإنجازات معيارنا الوحيد للحكم على التجربة..."

 

        بالرغم من شكوكه، ظل عبد الغني متمسكا بالنضال من أجل الديمقراطية والكرامة الإنسانية، وكان يحب الاستشهاد بهذه العبارة لماركس فريش التي تقول :"من يناضل قد يهزم، أما الذي يتخلى عن النضال فقد انهزم" ، وبذلك فإنه لم يتراجع أبدا عن معركته الدائمة، ضد الظلم والتعسف وضد الانتهازية والانتهازيين.

        ورغم طرحه لمجموعة من الأسئلة حول المستقبل المظلم ليس فقط على المستوى المغربي وإنما أيضا على المستوى العالمي، فقد احتفظ إلى آخر رمقه،  بقدرة فريدة على إعطاء الأمل لكل محيطه.

 

                                               حياة برادة بوستة